كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> في فتاوى المؤلف عن مقتضى المذاهب الأربعة أن من عير برعي الغنم فقال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعاها قبل النبوة أنه يعزر ‏.‏

<فائدة> حكى في الوحيد أنه ورد في بعض الآثار أن الخليل صلى الله عليه وسلم كان له أربعة آلاف كلب في غنمه في عنق كل كلب طوق من الذهب الأحمر زنته ألف مثقال فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إنما فعلت ذلك لأن الدنيا جيفة وطلابها كلاب فدفعتها لطلابها

- ‏(‏طب خط عن أم هانئ‏)‏ بنون مكسورة وهمزة فاختة أو هند بنت أبي طالب أخت علي لها صحبة ورواية أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها هبيرة بن عمرو المخزومي إلى نجران ورواه الإمام الرافعي عن عائشة باللفظ المزبور ‏(‏ورواه ه‏)‏ عنها أيضاً ووافقه ابن جرير والطبراني والبيهقي ‏(‏بلفظ اتخذي‏)‏ يا أم هانئ ‏(‏غنماً فإن فيها بركة‏)‏ رمز المصنف لحسنه وهو كما قال أو أعلى فإن رواة ابن ماجه ثقات ورواه أحمد قال الهيتمي‏:‏ بعد ما عزاه لأحمد وفيه موسى بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة لم أعرفه

‏[‏ص 113‏]‏ 104 - ‏(‏اتخذوا عند الفقراء‏)‏ جمع فقير فعيل بمعنى فاعل يقال فقر يفقر إذا قل ماله وغلب استعماله في الصوفية وأهل السلوك ‏(‏أيادي‏)‏ أي اصنعوا معهم معروفاً واليد كما تطلق على الجارحة تطلق على النعمة والإحسان والقوة والسلطان قال الزمخشري‏:‏ من المجاز لفلان عندي يد وأيديت عنده ويديت أنعمت ‏(‏فإن لهم دولة‏)‏ انقلاباً من الشدة إلى الرخاء ومن العسر إلى اليسر فلو عرف الغني ما للفقير عند الله لاتخذه صاحباً وترك الأغنياء جانياً قال أبو عثمان المغربي‏:‏ من آثر صحبة الأغنياء على مجالسة الفقراء ابتلاه الله بموت القلب‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ والدولة بالفتح والضم ما يدول للإنسان أي يدور من الجد يقال دالت له الدولة وأديل لفلان وقيل الدولة بالضم ما يتداول وبالفتح بمعنى التداول وفي الأساس دالت به الدولة ودالت الأيام بكذا وأدال الله بني فلان من عدوهم جعل الكرة لهم عليهم ‏(‏يوم القيامة‏)‏ نصب على الظرفية وقد تأدب السلف في هذا بأدب المصطفى تأدباً حسناً حتى حكي عن سفيان الثوري أن الفقراء في مجلسه كانوا أمراء قال اليافعي‏:‏ وكان بعض الفقراء الواجدين يغني ويبكي ويقول في غنائه‏:‏ قال لنا حبيبنا اليوم لهم وغدا لنا‏.‏ وظاهر صنيع المصنف أن هذا الحديث هو بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه فإذا كان يوم القيامة نادى مناد سيروا إلى الفقراء فاعتذروا إليهم كما يعتذر أحدكم إلى أخيه في الدنيا انتهى بنصه ‏.‏

<فائدة> رأى بعض العارفين علياً كرم الله وجهه في النوم فقال له‏:‏ ما أحسن الأعمال قال‏:‏ عطف الأغنياء على الفقراء وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله تعالى

- ‏(‏حل عن الحسين بن علي‏)‏ أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي‏:‏ سنده ضعيف جداً انتهى ورمز المصنف لضعفه لكن ظاهر كلام الحافظ ابن حجر أنه موضوع فإنه قال‏:‏ لا أصل له وتبعه تلميذه السخاوي فقال بعد ما ساقه وساق أخباراً متعددة من هذا الباب وكل هذا باطل كما بينته في بعض الأجوبة وسيق إلى ذلك الذهبي وابن تيمية وغيرهما قالوا‏:‏ ومن المقطوع بوضعه حديث اتخذوا مع الفقراء أيادي قبل أن تجيء دولتهم ذكره المؤلف وغيره عنه‏.‏

105 - ‏(‏اتخذه من ورق‏)‏ بفتح الواو وتثليث الراء فضة قال في الكشاف‏:‏ الورق فضة مضروبة أو غير مضروبة ‏(‏ولا تتمه‏)‏ بضم فكسر تكمله من أتم الشيء أكمله قال الراغب‏:‏ وتمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه ويقال ذلك للمعدود والممسوح ‏(‏مثقالاً‏)‏ بكسر فسكون معروف وهو درهم وثلاثة أسباع درهم فإن بلغ مثقالاً كره كراهة تنزيه فإن زاد عليه ففي تحريمه وجهان والأصح أنه إن لم يعد إسرافاً عرفاً جاز وإلا فلا وفي رواية لأبي داود ولا تتمه مثقالاً ولا قيمة مثقال‏.‏ قال الحافظ الزين العراقي‏:‏ ومعنى هذه الزيادة أنه ريما وصل الخاتم بالنفاسة في صنعته إلى أن يكون قيمته مثقالاً فهو داخل في النهي أيضا وقوله ‏(‏يعني الخاتم‏)‏ تفسير من الراوي لما أشير إليه بضمير اتخذه ولبس الخاتم سنة، قال ابن العربي‏:‏ الخاتم عادة في الأمم ماضية وسنة في الإسلام قائمة وفي المواهب القسطلانية وشرح الشمائل للهيتمي وغيرهما عن جدي الشرف المناوي رحمه الله تعالى تحصل السنة بلبسه مطلقاً ولو مستعار أو مستأجراُ لكن الأفضل لبسه بالملك واستدامته انتهى‏.‏

-‏(‏3‏)‏ وكذا ابن حبان وصححه ‏(‏عن بريدة‏)‏ بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة ابن الحصيب بضم المهملة وفتح المهملة الثانية فتحتية فموحدة ابن عبد الله الأسلمي قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من حديد فقال‏:‏ مالي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من صفر فقال‏:‏ مالي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال‏:‏ مالي أرى عليك حلية أهل الجنة قال‏:‏ يا رسول الله فمن أي شيء أتخذه قال‏:‏ اتخذه من ورق إلى آخره قال الترمذي‏:‏ حديث غريب قال ابن حجر‏:‏ وفيه عبد الرحمن ابن مسلم أبو طيبة قال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن حبان‏:‏ يخطئ ومع ذلك صححه فدل على قبوله له وأقل درجاته الحسن انتهى‏.‏ ‏[‏ص 114‏]‏ ولذلك رمز المؤلف لحسنه لكن ضعفه النووي في المجموع وشرح مسلم وتبعه جمع من الفقهاء‏.‏

106 - ‏(‏أتدرون‏)‏ أتعلمون أو أتعرفون، قال الراغب‏:‏ الدراية المعرفة المدركة بضرب من ضروب الحيل وهو تقديم المقدمة واجالة الخاطر واستعمال الروية ولا يجوز أن يوصف بذلك البارئ لأن معنى الحيل لا يصح عليه ولم يرد به سمع فيتبع وقول الشاعر‏:‏

لا هم لا أدري وأنت تدري * من تعجرف أجلاف الأعراب

‏(‏ما العضه‏)‏ بفتح المهملة وسكون المعجمة وضم الهاء البهتان الذي يحير قال في الصحاح‏:‏ العضه الرمي بالبهتان وقال في القاموس‏:‏ عضه كمنع كذب وجاء بالإفك والبهتان وفلاناً أبهته وقال فيه ما لم يكن وسخر ونم انتهى‏.‏ وعنون بالاستفهام تنبيهاً على فخامة ما يلقيه من الكلام وإشارة إلى أنه يتعين معرفته ويقبح الجهل به ولما قال ذلك قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم قال ‏(‏نقل الحديث‏)‏ أي ما يتحدث به ‏(‏من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم‏)‏ أي لأجل أن يفسد الناقلون المفهومون من نقل بين المنقول إليهم والمنقول عنهم وعبر بالجمع إشارة لاعتياده واطراده بينهم والمراد التحذير من نقل كلام قوم لآخرين لإلقاء العداوة والبغضاء بينهم وهذا هو النميمة التي هي كما قال جمع‏:‏ نقل الحديث على وجه الإفساد وهو من الكبائر وقال الغزالي‏:‏ حد النميمة كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو ثالث سواء كان بقول أو كتابة أو رمز أو إيماء سواء كان عيباً أو نقصاً على المنقول عنه أو لا بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه ‏(‏تتمة‏)‏ تبع رجل حكيماً سبع مئة فرسخ لأجل سبع كلمات قال‏:‏ أخبرني عن السماء وما أثقل منها وعن الأرض وما أوسع منها وعن الحجر وما أقسى منه وعن النار وما أحر منها وعن الزمهرير وما أبرد منه وعن البحر وما أغنى منه وعن اليتيم وما أذل منه فقال‏:‏ البهتان على البريء أثقل من السماء والحق أوسع من الأرض والقلب القانع أغنى من البحر والحرص والحسد أحر من النار والحاجة إلى الغير إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير وقلب الكافر أقسى من الحجر والنمام إذا بان للناس أمره أذل من اليتيم

- ‏(‏خد هق‏)‏ كلاهما معاً من حديث سنان بن سعد ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الذهبي في المذهب متعقباً على البيهقي فقال‏:‏ فيه سنان بن سعد وهو ضعيف‏.‏

107 - ‏(‏أترعوا‏)‏ بفتح الهمزة وسكون المثناة فوق وكسر الراء‏:‏ املؤا إرشاداً‏.‏ قال الزمخشري وغيره‏:‏ أترع الكأس ملأها وجفان مترعات وسد الترعة وهو منفتح الماء ومن المجاز فتح ترعة الدار بابها وحجبني التراع البواب يقولون جاءه القراع فرده التراع ‏(‏الطسوس‏)‏ بضم الطاء وسينين مهملتين جمع طس وهو لغة في الطست ‏(‏وخالفوا المجوس‏)‏ بفتح الميم فإنهم لا يفعلون ذلك وهم عبدة النار القائلون بأن العالم نور وظلمة‏.‏ ومعنى الحديث اجمعوا الماء الذي تغسلون به أيديكم في إناء واحد حتى يمتلئ فإن ذلك مستحب ولا تريقوه قبل امتلائه كما تفعله المجوس‏.‏ وقد جرى على ندب ذلك الغزالي في مختصر الإحياء فقال‏:‏ يستحب أن يجمع ماء الكل في طست واحد ما أمكن لهذا الحديث وهذا بناء على أن المراد من الحديث غسل الأيدي من الطعام عقب الأكل وحمله بعضهم على الوضوء الشرعي فقال‏:‏ يسن جمع ماء الوضوء في طست حتى يمتلئ ويطف ولا يبادر باهراقه قبل الامتلاء مخالفة للمجوس ولكل من الحملين وجه أما كون ذلك من سنن الأكل فلأن فيه صون الماء عن التزلق الذي قد يقع فيه بعض الحاضرين فيؤذيه وأما كونه من سنن الوضوء فلأن فيه التحرز عن الرشاش الذي قد يصيب ثوبه بعد إصابته الأرض فيؤدي إلى الوسواس المضر ويوافق ذلك أنه يسن عندنا للمتوضئ أن يتوقى الرشاش المؤدي إلى الوسواس وينضم إلى ذلك مخالفة المجوس‏.‏ الحديث وإن كان ضعيفاً لكن يعمل به في الفضائل وهذا منها وفي الشعب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله ‏[‏ص 115‏]‏ بواسط بلغني أن الرجل يتوضأ في طست ثم يأمر بها فتهراق وهذا من زي العجم فتوضؤا فيها فإذا امتلأت فاهريقوها

- ‏(‏هب خط فر عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وضعفه البيهقي وقال‏:‏ في إسناده من يجهل وقال ابن الجوزي‏:‏ حديث لا يصح وأكثر رواته ضعفاء ومجاهيل لكنه ورد بمعناه في خبر جيد رواه القضاعي في مسند الشهاب عن أبي هريرة بلفظ اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم وقال الحافظ العراقي‏:‏ إسناده لا بأس به‏.‏ وروى البيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً لا ترفعوا الطسوس حتى تطف اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم‏.‏

108 - ‏(‏أترعون‏)‏ بفتح همزة الاستفهام والمثناة فوق وكسر الراء أي أتتحرجون وتكفون وتتورعون ‏(‏عن ذكر‏)‏ بكسر فسكون ‏(‏الفاجر‏)‏ المتظاهر بنحو تخنث وزنا ولواط وشرب خمر وجور غير مبال بما ارتكبه من ذلك وتمتنعون ‏(‏أن تذكروه‏)‏ أي تجروا جرائمه على ألسنتكم بين الناس ‏(‏فاذكروه‏)‏ بما فيه ولهذا قال الحسن‏:‏ ثلاثة لا غيبة لهم صاحب هوى والفاسق المعلن والإمام الجائر‏.‏ وقال الغزالي‏:‏ وهؤلاء يجمعهم أنهم يتظاهرون به وربما يتفاخرون وكيف يكرهونه وهم يقصدون إظهاره ‏(‏يعرفه الناس‏)‏ أي ليعرفوا حاله فيحذروه فليس ذكره حينئذ منهياً عنه بل مأمور به للمصلحة ومن ذلك قول الحسن في الحجاج أخرج البنا بناناً قصيرة قلما عرفت فيها اللعنة في سبيل الله ثم جعل يطبطب شعيرات له ويقول‏:‏ يا أبا سعيد يا أبا سعيد وقال‏:‏ لما مات اللهم أنت أمته فاقطع سنته فإنه أتانا خيفش أعيمش يخطر في مشيه لا يصعد المنبر حتى تفوته الصلاة لا من الله يتقي ولا من الناس يستحي فوقه الله وصحبه مئة ألف أو يزيدون لا يقول له قائل الصلاة هيهات دون ذلك السيف‏.‏ والغيبة تباح في نحو أربعين موضعاً ذكرها ابن العماد وغيره والكلام في غير نحو راو وشاهد وأمين صدقة وناظر وقف ويتيم أما هم فيجب جرحهم إجماعاً على من علم فيهم قادحاً وإن لم يتجاهروا بالفجور ولا أبرزوا الخيانة إلى حين الظهور

<تنبيه> هذا الحديث وما بعده شامل للفاجر الميت ولا ينافيه النهي عن سب الأموات في الخبر الآتي لأن السب غير الذكر بالشر وبفرض عدم المغايرة فالجائز سب الأشرار والمنهي سب الأخيار ذكره الكرماني وغيره

- ‏(‏خط في‏)‏ كتاب ‏(‏رواه مالك‏)‏ بن أنس ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث الجارود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعاً ثم قال‏:‏ هذا يعد من أفراد الجارود وليس بشيء وقضية تصرف المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه ساكتاً عليه والأمر بخلافه بل قال‏:‏ تفرد به الجارود وهو كما قال البخاري منكر الحديث وكان أبو أسامة يرميه بالكذب هذا كلام الخطيب فنسبته لمخرجه واقتطاعه من كلامه ما عقبه به من بيان حاله غير مرضي وقد قال في الميزان إنه موضوع ونقله عنه في الكبير وأقره عليه لكن نقل الزركشي عن الهروي في كتاب ذم الكلام أنه حسن باعتبار شواهده التي منها ما ذكره المؤلف بقوله‏:‏

109 - ‏(‏أترعون عن ذكر الفاجر‏)‏ أي الذي يفجر الحدود أي يخرقها ويتعداها معلناً غير مبال ولا مستتر فالإسلام كحظيرة حظرها الله على أهله فمن ثلم تلك الحظيرة بالخروج منها متخطياً ما وراءها فقد فجرها وذا يكون من المؤمن والكافر لكن الحديث إنما ورد في المؤمن فيكون غيره أولى بدليل ما ذكر في سبب الحديث أنه لما حث على ستر المسلم وتوعد على هتكه تورعوا عن ذكره لحرمة التوحيد فبين لهم أن الستر إنما هو لأهل الستر فمن لزمه هذا الاسم لغلبة الفجور عليه وقلة مبالاته فلا حرمة له فلا يكتم أمره بل قد يجب ذكره ويكون الكف عنه خيانة‏.‏ ألا ترى إلى قوله ‏(‏متى‏)‏ بفتح الميم مخففاً ‏(‏يعرفه الناس‏)‏ أي وقت يعرفه الناس إن لم تعرفوهم به ‏(‏اذكروا الفاجر‏)‏ الفاسق ‏(‏بما فيه‏)‏ من الفجور وهتك ستر الديانة فذكره بذلك من النصيحة الواجبة لئلا يغتر به مسلم فيقتدي به في فعلته أو يضله ببدعته أو يسترسل له فيؤذيه بخدعته وبين قوله بما فيه أنه ‏[‏ص 116‏]‏ لا يجوز ذكره بغير ما فيه ولا بما لا يعلن به قال ابن عون‏:‏ دخلت على ابن سيرين فذكرت الحجاج أي بما لم يتظاهر به فقال‏:‏ إن الله ينتقم للحجاج كما ينتقم منه وإنك إذا لقيت الله غداً كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج وأشار بقوله ‏(‏يحذره‏)‏ أي لكي يحذره ‏(‏الناس‏)‏ إلى أن مشروعية ذكره بذلك مشروطة بقصد الاحتساب وإرادة النصيحة دفعاً للاغترار ونحوه مما ذكر فمن ذكر واحداً من هذا الصنف تشفياً لغيظه أو انتقاماً لنفسه أو احتقاراً أو ازدراءً ونحو ذلك من الحظوظ النفسانية فهو آثم كما ذكره الغزالي ثم السبكي فيما نقله عنه ولده قال‏:‏ كنت جالساً بدهليز دارنا فأقبل كلب فقلت له‏:‏ اخسأ كلب بن كلب فزجرني والدي فقلت له‏:‏ أليس هو كلب ابن كلب قال‏:‏ شرط الجواز عدم قصد التحقير فقلت هذه فائدة وأخذ الغزالي من هذا الخبر وما قبله أن من استشير في خاطب فله أن يصرح بذكر مساويه إذا علم أن مجرد قوله لا يصلح لك لا يفيد قال الراغب‏:‏ والحذر احتراز عن مخيف ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر القرشي ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏ذم الغيبة‏)‏ أي ذكر الناس بما يكرهون ‏(‏والحكيم‏)‏ محمد بن علي الترمذي المؤذن الصوفي الشافعي صاحب التصانيف ‏(‏في‏)‏ كتابه ‏(‏نوادر الأصول‏)‏ سمع الكثير من الحديث بالعراق ونحوه وحدث عن قتيبة بن سعيد وغيره وهو من القرن الثالث من طبقة البخاري، قال السلمي‏:‏ نفوه من ترمذ وشهدوا عليه بالكفر بسبب تفضيله الولاية على النبوة وإنما مراده ولاية النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال ابن عطاء الله‏:‏ كان العارفان الشاذلي والمرسي يعظمانه جداً ولكلامه عندهما الحظوة التامة ويقولان هو أحد الأوتاد الأربعة وقال ابن أبي جمرة في كتاب الختان وابن القيم في كتاب اللمحة في الرد على ابن طلحة أنه لم يكن من أهل الحديث ورواته ولا علم له بطرقه وصناعته وإنما فيه الكلام على إشارات الصوفية حتى خرج عن قاعدة الفقهاء واستحق الطعن عليه وطعن عليه أئمة الفقهاء والصوفية وقالوا أدخل في الشريعة ما فارق به الجماعة وملأ كتبه الفظيعة بالأحاديث الموضوعة وحشاها بأخبار لا مروية ولا مسموعة إلى آخر ما قال من الهذيان والبهتان كما لا يخفى على أهل الشأن‏.‏ كيف وقد قال الحافظ ابن النجار في تاريخه كان إماماً من أئمة المسلمين له المصنفات الكبار في أصول الدين ومعاني الحديث، لقي الأئمة الكبار وأخذ عنهم وفي شيوخه كثرة ثم أطال في بيانه وقال السلمي في الطبقات له اللسان العالي والكتب المشهورة وقال القشيري في الرسالة‏:‏ هو من كبار الشيوخ وأطال في الثناء عليه وقال الحافظ أبو نعيم في الحلية‏:‏ له التصانيف الكثيرة في الحديث وهو مستقيم الطريقة تابع للأثر يرد على المرجئة وغيرهم وله حكم عليه الشأن منها قوله كفى بالمرء عيباً أن يسره ما يضره وقوله وقد سئل عن الخلق فقال‏:‏ ضعف ظاهر ودعوى عويضة وقال الكلاباذي في التعرف هو من أئمة الصوفية إلى غير ذلك من الكلام في شأن هذا الإمام وإنما أطلت فيه دفعاً لذلك الافتراء فلا تكن من أهل المراء ‏(‏والحاكم‏)‏ أبو عبد الله ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الكنى‏)‏ والألقاب وقال هذا غير صحيح ولا معتمد ‏(‏والشيرازي‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الألقاب‏)‏ وهو أجل كتاب ألف في هذا الباب قبل ظهور تأليف الحافظ ابن حجر

- ‏(‏عد طب هق‏)‏ وقال أعني البيهقي ليس بشيء ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة محمد بن القاسم المؤدب من حديث الجارود ‏(‏عن بهز‏)‏ بفتح الموحدة وسكون الهاء ثم زاي معجمة ‏(‏ابن حكيم عن أبيه عن جده‏)‏ قال الجارود لقيت بهز بن حكيم في الطواف فذكره لي فيه قال الحكيم والخطيب تفرد به الجارود عنه وقال في المهذب كأصله الجارود واه وقد سرقه منه جمع ورووه عن بهز ولم يصح فيه شيء وقال أحمد‏:‏ حديثه منكر وقال ابن عدي‏:‏ لا أصل له قال‏:‏ وكل من روى هذا الحديث فهو ضعيف وقال الدارقطني في علله‏:‏ هو من وضع الجارود ثم سرقه منه جمع وفي الميزان عن أسامة وأبي حاتم أن الجارود كذاب وأن أبا بكر بن الجارود كان إذا مر بقبر جده قال‏:‏ يا أبت لو لم تحدث بحديث بهز لزرتك وقد نقل المؤلف في الكبير عن الحكيم أن الجارود تفرد به وأن أبا حاتم وأبا أسامة كذباه وأقر ذلك‏.‏

‏[‏ص 117‏]‏ 110 - ‏(‏اتركوا‏)‏ من الترك قال الراغب‏:‏ وهو رفض الشيء قصداً واختياراً أو قهراً واضطراراً ‏(‏الترك‏)‏ بضم فسكون جيل من الناس والجمع أتراك الواحد تركي كرومي وأروام قاله في القاموس‏.‏ والمصباح ولا يعارضه قول ابن الأثير‏:‏ الترك جمع تركي لأن الجمع قد يجمع وهو وإن كان مفرداً في الأصل اسم الأب فالأب مسماه جمع كثير فالمصباح والقاموس نظراً إلى أنه اسم مفرد في الأصل وابن الأثير نظر إلى مدلوله الآن قال الزمخشري‏:‏ تقول العرب تراك تراك صحبة الأتراك وفيه جناس الاشتقاق ‏(‏ما تركوكم‏)‏ أي لا تتعرضوا لهم مدة تركهم لكم وخصوا لشدة بأسهم وبرد بلادهم ففي غزوهم مشقة فإن لم يتركونا بأن دخلوا دارنا فقتالهم فرض عين وفيه من أنواع البديع جناس الاشتقاق ‏(‏فإن أول من يسلب أمتي‏)‏ أي أمة النسب وهو العرب لا أمة الدعوة ‏(‏ملكهم‏)‏ أي أول من ينتزع منهم بلادهم التي ملكوها ‏(‏وما خولهم الله‏)‏ فيه أي أعطاهم من النعم، والسلب بالسكون الأخذ والاستلاب الاختلاس‏.‏ السلب بالتحريك المسلوب والتخول الإعطاء والتعهد وأراد بالأمة بعضها إذ المسلوب البعض كما تقرر فهو عام أريد به الخصوص‏.‏ ‏(‏بنو قنطوراء‏)‏ بفتح القاف وسكون النون وبالمد على ما في المغرب الجواليقي لكن في البارع بالقصر جارية إبراهيم الخليل وقيل امرأته من الكنعانيين تزوجها بعد موت سارة وأم إسماعيل‏.‏ ومن نسلها الترك والديلم والغز وقيل هم بنو عم يأجوج ومأجوج لما بني السد كانوا غائبين فتركوا لم يدخلوا معهم فسموا الترك قال القرطبي‏:‏ ومع ذلك خرج من الترك أمم لا يحصيها إلا الله تعالى وقال ابن دحية‏:‏ خرج سنة سبع عشرة وست مئة جيش منهم وهم التتر عظم منهم الخطب والخطر وعم الضرر وقضى لهم من قتل الأنفس المؤمنة الوطر فقتلوا من رواء النهر وما دونه من جميع بلاد خراسان ومحوا آثار ملك بني ساسان وهذا الجيش ممن يكفر بالرحمن ويرى أن الخالق المصور هو النيران وملكهم يعرف بجنكزخان ومن أمثالهم اترك الترك إن أحبوك أكلوك وإن أبغضوك قتلوك وقال ابن حجر‏:‏ قد ظهر مصداق الخبر وروى أبو يعلى عن معاوية بن خديج قال‏:‏ كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه وقع بالترك فهزمهم فغضب ثم كتب إليه لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إن الترك تجلي العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح فأنا أكره قتالهم لذلك وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدوداً إلى أن فتح شيئاً فشيئاً وكثر السبي منهم وتنافس فيهم الملوك لما فيهم من الشدة والبأس حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنه المتوكل ثم أولاده واحداً بعد واحد إلى أن استولى على الملك الأتراك طائفة بعد طائفة إلى آل سلجوق فخرج عليهم في المئة الخامسة الغز فخربوا البلاد وقتلوا العباد ثم جاءت الطامة الكبرى بالتتار فكان خروج جنكزخان بعد الست مئة فاسعرت بهم الدنيا ناراً سيما المشرق حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم ثم كان خراب بغداد وقتل المعتصم آخر الخلفاء بأيديهم سنة ست وخمسين وست مئة ثم لم تزل بقاياهم يخربون إلى أن كان آخرهم التمرلنك فطرق الديار الشامية وخرب دمشق حتى صارت خاوية على عروشها ودخل الروم والهند وما بين ذلك وطالت مدته حتى أخذه الله وتفرق بنوه في البلاد وظهر بجميع ذلك مصداق الحديث

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا في الأوسط والصغير ‏(‏عن‏)‏ أبي عبد الرحمن عبد الله ‏(‏بن مسعود‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه مروان بن سالم متروك وذكره في موضع آخر وقال‏:‏ فيه عثمان بن يحيى الفرقسابي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى‏.‏ وقال السمهودي‏:‏ المقال إنما هو في سند الكبير أما الأوسط والصغير فإسنادهما حسن ورجالهما موثوقون انتهى‏.‏ وبه يعرف أن اقتصار المؤلف على العزو الكبير غير جيد وكيفما كان لم يصب ابن الجوزي حيث حكم بوضعه وقد جمع الضياء فيه جزءاً‏.‏

‏[‏ص 118‏]‏ 111 - ‏(‏اتركوا‏)‏ بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء ‏(‏الحبشة‏)‏ بالتحريك جيل من السودان معروف والواحد حبشي والحبش بضم فسكون اسم جنس ولهذا صغر على حبيش قال ابن حجر‏:‏ ويقال إنهم من ولد حبش بن كوش بن حام بن نوح وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر وقد غلبوا على اليمن قبل الإسلام وملكوها وغزا أبرهة من ملوكهم الكعبة ومعه الفيل ‏(‏ما تركوكم‏)‏ أي مدة دوام تركهم لكم لما يخاف من شرهم كما يشير إليه قوله ‏(‏فإنه لا يستخرج‏)‏ أي لا يستنبط والاستخراج الاستنباط وهو ما أظهر بعد خفاء ‏(‏كنز الكعبة‏)‏ أي المال المدفون فيها حين يهدمها حجراً حجراً ويلقي حجارتها في البحر كما جاء في خبر آخر والكعبة اسم للبيت الحرام سمي به لتكعبه وهو تربيعه وكل بناء مربع مرتفع كعبة وقيل لاستدارتها وعلوها وقيل لكونها على صورة الكعب ‏(‏إلا ذو السويقتين من الحبشة‏)‏ تثنية سويقة مصغراً قال الطيبي‏:‏ وسر التصغير الإشارة إلى أن مثل هذه الكعبة المعظمة يهتك حرمتها مثل هذا الحقير الذميم الخلقة، ويحتمل أن يكون الرجل اسمه ذلك أو أنه وصف له أي رجل من الحبشة دقيق الساقين رقيقهما جداً والحبشة وإن كان شأنهم دقة السوق لكن هذا يتميز بمزيد من ذلك ولا يعارضه قوله تعالى ‏{‏حرماً آمناً‏}‏ لأن معناه آمناً إلى قرب يوم القيامة فإن هذا التخريب يكون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام على ما ذكره بعضهم فيأتي إليه الصريخ فيبعث إليه‏.‏ وقال الحليمي‏:‏ بل بعد موته وبعد رفع القرآن ورجحه بعض الأعيان وجمع بحمل الأول على أنه يهدم بعضه في زمن عيسى فيبعث إليه فيهرب ثم بعد موته ورفع القرآن يعود ويكمل هدمه إشارة إلى رفع معالم الدين من أصلها

- ‏(‏د ك‏)‏ في الفتن وكذا البيهقي ‏(‏عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص رمز المصنف لصحته اغتراراً بتصحيح الحاكم وهو وهم فقد أعله الحافظ عبد الحق بأن فيه زهير بن محمد شيخ أبي داود كان سيء الحفظ لا يحتج بحديثه‏.‏

112 - ‏(‏اتركوا الدنيا لأهلها‏)‏ أي صيروها من قبيل المتروك الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال ولا تذهب النفس إليه لخسته والمراد بالدنيا الدنانير والدراهم أو المطعم والمشرب والملبس ومتعلقات ذلك أي التوسع في ذلك والتهافت على أخذ ما فوق الكفاية وأما تفسيره بحب الجياة فلا يلائم السوق كما لا يخفى على أهل الذوق قال الفاكهي‏:‏ ودنيا كل إنسان بحسب حاله فكلام الشيخ بين طلبته والأمير بين جنده دنيا بالنسبة لهم إلا أن يقصدوا به أمراً أخروياَ وذا لا يكاد يكون إلا من موفق لاح له من علم الآخرة لائح فاشتاق لمولاه وغلب شيطانه وهواه وذكر الغزالي أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مر برجل نائم ملتف بعباءة فقال‏:‏ يا نائم قم فاذكر الله تعالى قال‏:‏ ما تريد مني وقد تركت الدنيا لأهلها فقال‏:‏ نم إذاً يا حبيبي نم ‏(‏فإنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏من أخذ منها‏)‏ مقداراً ‏(‏فوق ما‏)‏ أي القدر الذي ‏(‏يكفيه‏)‏ أي زائداً على الذي يحتاجه لنفسه والمموّنة من نحو مأكل ومشرب وملبس ومسكن وخادم ومركب وآنية تليق به وبهم ‏(‏أخذ من حتفه‏)‏ أي أخذ في أسباب هلاكه والحتف الهلاك قال الزمخشري‏:‏ قالوا المرء يسعى ويطوف وعاقبته الحتوف قيل هو مصدر بمعنى الحتف وهو القضاء وفي الصحاح الحتف الموت يقال مات حتف أنفه إذا مات بغير قتل ولا ضرب وفي النهاية هو أن يموت على فراشه كأن سقط فمات والحتف الهلاك وخص الأنف لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه ‏(‏وهو لا يشعر‏)‏ أي والحال أنه لا يدري ولا يحس بذلك ولا يتوقعه لتمادي غفلته‏.‏ والشعور الإحساس ومشاعر الإنسان حواسه ومنه الشعار وما شعرت به ما فطنت له وما علمته وليت شعري ما كان منه وما يشعركم وما يدريكم ذكره الزمخشري، فهلاك هذا الدين وسلوك سبيل الناجين الزهد فيها والإعراض عنها والاقتصار على الكفاف، قال الغزالي‏:‏ وإنما كانت الزيادة على قدر الكفاية مهلكة لأن ذلك يدعو إلى المعاصي فإنها تمكن منها ‏[‏ص 119‏]‏ ومن العصمة أن لا يقدر ولأنه يدعو إلى التنعم بالمباحات وهو أقل الدرجات فينبت على التنعيم جسده ولا يمكنه للصبر عنه وذلك لا يمكن استدامته إلا بالاستعانة بالخلق والالتجاء إلى الظلمة وهو يدعو إلى النفاق والكذب والرياء والعداوة والبغضاء ولأنه ينهى عن ذكر الله تعالى الذي هو أساس السعادة الأخروية انتهى‏.‏ ولهذا كان محط نظر السلف الصالح التجرد المطلق عن علائقها أما الأخذ منها بقدر الكفاية لمن ذكر فلا ضير فيه بل قد يجب بل له أخذ ما زاد على كفايته بقصد صرف الفاضل في وجوه البر إن وثق من نفسه بالوفاء بذلك القصد فمثال المال كحية فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها من يعرف وجه التحرز عن سمها وطريق استخراج ترياقها النافع كانت عليه نعمة وإن أصابها من لم يعرف ذلك فهي عليه نقمة وهي كبحر تحته صنوف الجواهر فمن كان عارفاً بالسباحة وطرق الغوص والتحرز عن مهلكات البحر فقد ظفر بنعمة وإن غاصه جاهل بذلك تورط في المهالك، هذا غاية البيان وليس قربة وراء عمان

- ‏(‏فر عن أنس‏)‏ رمز المصنف لضعفه وذلك لأن فيه من لا يعرف لكن فيه شواهد تصيره حسناً لغيره‏.‏

113 - ‏(‏اتق‏)‏ بكسر الهمزة وشد المثناة فوق ‏(‏الله‏)‏ أمر من التقوى فعلى من الوقاية ما يتقى به مما يخاف فتقوى العبد لله أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وقاية تقيه منه وهي هنا الحذر ‏(‏فيما تعلم‏)‏ أي تحذره وخفه في العمل أو في ترك العمل بالذي تعلمه وحذف المفعول للتعميم وذلك بأن تجتنب المنهي وتفعل المأمور وخاطب العالم لأن الجاهل لا يعرف كيف يتقي لا من جانب الأمر ولا من جانب النهي والمراد أصالة العلم العيني الذي لا رخصة للمكلف في تركه وما عداه من كمال التقوى قال ابن القيم وللمعاصي من الآثار القبيحة ما لا يعلمه إلا الله، فمنها حرمان العلم فإن العلم نور يقذف في القلب والمعصية تطفئه، وكتب رجل إلى أخيه أنك أوتيت علماً فلا تطفئن نوره بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم في نور علمهم، وأوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي وقال بشر‏:‏ التلذذ بجاه الإفادة ومنصب الإرشاد أعظم من كل تنعم في الدنيا فمن أجاب شهوته فيه فما اتقى فيما علم

- ‏(‏تخ ت‏)‏ وكذا الطبراني من حديث أنس بن أشوع ‏(‏عن زيد بن سلمة‏)‏ بن يزيد بن مشجعة ‏(‏الجعفي‏)‏ بضم الجيم وسكون المهملة نسبة إلى جعفي بن سعد العشيرة قبيلة كبيرة قال قلت يا رسول الله سمعت منك حديثاً كثيراً فإني أخاف أن ينسيني آخره أوله فمرني بكلمة جامعة فذكره قال الترمذي في العلل سألت عنه محمداً يعني البخاري فقال سعيد بن أشوع لم يسمع من يزيد فهو عندي مرسل وقال المؤلف في الكبير منقطع‏.‏

114 - ‏(‏اتق الله‏)‏ خفه واحذره ‏(‏في عسرك‏)‏ بضم فسكون وبضمتين وبالتحريك كما في القاموس‏:‏ الضيق والصعوبة والشدة ‏(‏ويسرك‏)‏ بالضم وبضمتين وبالفتح وبفتحتين الغنى والسهولة يعني إذا كنت في ضيق وشدة وفقر فخف الله أن تفعل ما نهى عنه أو تهمل ما أمر به وإن كنت في سرور وغنى فاحذره أن تطغى وتقتحم ما لا يرضاه فإن نعمته إذا زالت عن إنسان قلما تعود إليه، وقدم العسر على اليسر لأن اليسر يعقبه كما دل عليه قوله تعالى ‏{‏إن مع العسر يسراً‏}‏ أو اهتماماً بشأن التقوى فيه‏.‏ قال بعض العارفين‏:‏ من علامات التحقق بالتقوى أن يأتي المتقي رزقه من حيث لا يحتسب وإذا أتاه من حيث يحتسب ما تحقق بالتقوى ولا اعتمد على الله فإن معنى التقوى أن تتخذ الله وقاية من تأثير الأسباب في قلبك باعتمادك عليها والإنسان أبصر بنفسه وهو يعلم من نفسه بمن هو أوثق وبما تسكن إليه نفسه ولا تقل إن الله أمرني بالسعي على العيال وأوجب مؤنتهم فلا بد من الكد في السبب الذي جرت العادة أن يرزقه فيه فإنا ما قلنا لك لا تعمل فيها بل نهيناك عن الاعتماد عليها والسكون عندها فإن وجدت القلب يسكن إليها فاتهم إيمانك وإن وجدت قلبك ساكناً مع الله تعالى واستوى عندك وجود السبب المعين وفقده فأنت الذي لم تشرك بالله شيئاً فإن أتى ‏[‏ص 120‏]‏ رزقك من حيث لا تحتسب فذلك بشرى أنك من المتقين ‏(‏قال العارفون يثبتونها ولا يشهدونها ويعطونها حقها ولا يعبدونها وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس يعبدونها ولا يعطونها حقها بل يعصونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ويشهدونها ولا يثبتونها‏.‏ قاله شيخنا المحيوي في فتوحاته أهـ‏.‏‏)‏

>تنبيه> قال ابن عربي‏:‏ طريق الوصول إلى علم القوم التقوى ‏{‏ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم‏}‏ أي طالعناهم على العلوم المتعلقة بالعلويات والسفليات وأسرار الجبروت وأنوار الملك والملكوت وقال الله تعالى ‏{‏ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب‏}‏ والرزق روحاني وجسماني وقال ‏{‏اتقوا الله ويعلمكم الله‏}‏ أي يعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه بالوسائط من العلوم الإلهية

- ‏(‏أبو قرة‏)‏ بضم القاف وشد الراء ‏(‏الزبيدي في سننه‏)‏ بفتح الزاء نسبة إلى زبيد البلد المعروف المشهور باليمن واسمه موسى بن طارق ‏(‏عن طليب‏)‏ بالتصغير ‏(‏بن عرفة‏)‏ له وفادة ولم يرو عنه إلا ابنه كليب وهما مجهولان ذكره الذهبي كابن الأثير وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه‏.‏

115 - ‏(‏اتق الله‏)‏ بامتثال أمره وتجنب نهيه ‏(‏حيثما كنت‏)‏ أي وحدك أو في جمع فإن كانوا أهل بغي أو فجور فعليك بخويصة نفسك أو المراد في أي زمان ومكان كنت فيه رآك الناس أم لا فإن الله مطلع عليك واتقوا الله إن الله كان عليكم رقيباً، والخطاب لكل من يتوجه إليه الأمر فيعم كل مأمور وأفراد الضمير باعتبار كل فرد وما زائدة بشهادة رواية حذفها وهذا من جوامع الكلم فإن التقوى وإن قل لفظها كلمة جامعة فحقه تقدس أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر بقدر الإمكان، ومن ثم شملت خير الدارين إذ هي تجنب كل منهي عنه وفعل كل مأمور به فمن فعل ذلك فهو من المتقين الذين أثنى عليهم في كتابه المبين ثم نبه على تدارك ما عساه يفرط من تقصيره في بعض الأوامر والتورط في بعض النواهي فقال ‏(‏واتبع‏)‏ بفتح الهمزة وسكون المثناة فوق وكسر الموحدة ألحق ‏(‏السيئة‏)‏ الصادرة منك صغيرة وكذا كبيرة كما اقتضاه ظاهر الخبر والحسنة بالنسبة إليها التوبة منها فلا ملجئ لقصره على الصغيرة كما ظن وأيا مّا كان فالحسنات تؤثر في السيئات بالتخفيف منها يعني ألحق ‏(‏الحسنة‏)‏ إياها صلاة أو صدقة أو استغفاراً أو تسبيحاً أو غيرها ‏(‏تمحها‏)‏ أي السيئة المثبتة في صحيفة الكاتبين وذلك لأن المرض يعالج بضده كالبياض يزال بالسواد وعكسه ‏{‏إن الحسنات يذهبن السيئات‏}‏ يعني فلا يعجزك إذا فرطت منك سيئة أن تتبعها حسنة كصلاة قال ابن عربي‏:‏ والحسنة تمحو السيئة سواء كانت قبلها أو بعدها وكونها بعدها أولى إذ الأفعال تصدر عن القلوب وتتأثر بها فإذا فعل سيئة فقد تمكن في القلب اختيارها فإذا أتبعها حسنة نشأت عن اختيار في القلب فتمحو ذلك وظاهر قوله تمحها أنها تزال حقيقة من الصحيفة وقيل عبر يه عن ترك المؤاخذة ثم إن ذا يخص من عمومه السيئة المتعلقة بآدمي فلا يمحها إلا الاستحلال مع بيان جهة الظلامة إن أمكن ولم يترتب عليه مفسدة وإلا فالمرجو كفاية الاستغفار والدعاء ‏(‏وخالق الناس بخلق‏)‏ بضمتين ‏(‏حسن‏)‏ بالتحريك أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة من نحو طلاقة وجه وحلم وشفقة وخفض جانب وعدم ظن السوء بهم وتودد إلى كل كبير وصغير وتلطف في سياستهم مع تباين طباعهم، يقال فلان يتخلق بغير خلقه أي يتكلف وجمع هذا بعضهم في قوله‏:‏ وأن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك فتجتمع القلوب وتتفق الكلمة وتنتظم الأحوال وذلك جماع الخير وملاك الأمر، والخلق بالضم الطبع والسجية وعرفاً ملكة نفسانية تحمل على فعل الجميل وتجنب القبيح كذا ذكره البعض هنا وليس بصواب فإنه تفسير لمطلق الخلق بالخلق الحسن وهو فاسد وقد تكفل حجة الإسلام بتعريفه على طرف التمام فقال‏:‏ الخلق هيئة للنفس تصدر عنها الأفعال بسهولة وسر من غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلاً وشرعاً سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً حسناً وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً وحسن ‏[‏ص 121‏]‏ الخلق وإن كان جلياً لكن في الحديث رمز إلى إمكان اكتسابه وإلا لما صح الأمر به كما سيجيء إيضاحه والأمر به عام خص بمستحقه فخرج الكفرة والظلمة فأغلظ عليهم ثم هذا الحديث من القواعد المهمة لإبانته لخير الدارين وتضمنه لما يلزم المكلف من رعاية حق الحق والخلق‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ وهو جامع لجميع أحكام الشريعة إذ لا يخرج عنه شيء وقال آخر فصل فيه تفصيلاً بديعاً فإنه اشتمل على ثلاثة أحكام كل منها جامع في بابه ومترتب على ما قبله‏.‏

<تنبيه> قال الراغب‏:‏ الفرق بين الخلق والتخلق أن التخلق معه استثقال واكتساب ويحتاج إلى بعث وتنشيط من خارج والخلق معه استخفاف وارتياح ولا يحتاج إلى بعث من خارج

- ‏(‏حم ت‏)‏ في الزهد ‏(‏ك‏)‏ في الإيمان وقال على شرطهما وأيده وأقره الذهبي واعترض ‏(‏هب‏)‏ وكذا الضياء في المختارة والدارمي ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ الغفاري وقال الترمذي حسن صحيح ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك بسند ضعيف ورواه عنه أيضاً الطبراني وغيره فالإسناد الأول صحيح والثاني حسن والثالث ضعيف وأكثر المصنف من مخرجيه إشارة إلى رد الطعن فيه‏.‏

116 - ‏(‏اتق الله‏)‏ قال القيصري‏:‏ قد أكثر الناس القول في التقوى وحقيقتها تنزيه القلب عن الأدناس وطهارة البدن من الآثام وإن شئت قلت‏:‏ الحذر من موافقة المخالفات‏.‏ وقال الحرني‏:‏ عبر هنا وفيما سبق بالاسم الأعظم ليكون أزجر للمأمور ‏(‏ولا تحقرن‏)‏ بفتح المثناة فوق وكسر القاف وفتح الراء وشد النون أي لا تستصغرنّ يقال حقره واحتقره واستصغره قال الزمخشري‏:‏ تقول أي العرب هو حقير فقير هو حاقر ناقر وفي المثل من حقر حرم وفلان خطير غير حقير ‏(‏من المعروف‏)‏ أي ما عرفه الشرع والعقل بالحسن ‏(‏شيئاً‏)‏ أي كثيراً كان أو حقيراً ‏(‏ولو‏)‏ قال الطيبي‏:‏ هذا شرط يعقب به الكلام تتميماً ومبالغة وقال أبو حيان‏:‏ هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة بتضمنها السابق تقديره لا تحقرن من المعروف شيئاً على كل حال كائناً ما كان ولو ‏(‏أن تفرغ‏)‏ بضم الفوقية وكسر الراء تصب يقال أفرغت الشيء صببته إذا كان يسيل ‏(‏من دلوك‏)‏ إنائك الذي تستسقي به من البئر ‏(‏في إناء‏)‏ أي وعاء ‏(‏المستسقي‏)‏ طالب السقيا يعني ولو أن تعطي مريد الماء ما حزته أنت في إنائك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف وتقدم الأحوج فالأحوج والدلو معروف ويستعار للتوصل إلى الشيء بأي سبب كان قال‏:‏

وليس الرزق في طلب حثيث * ولكن ألق دلوك في الدلاء

‏(‏وأن تلقى‏)‏ أي ولو أن تلقى ‏(‏أخاك‏)‏ أي تراه وتجتمع به وفي رواية لأبي داود بدله وإن تكلم أخاك قال الطيبي‏:‏ مصدر وعامله محذوف تقديره كلم أخاك تكليماً فلما حذف الفعل أضيف المصدر إلى الفاعل وأراد بالأخ المسلم وإن لم يكن ابن أحد أبويه وقيل له أخوه لأنه لابسه من قبل أن دينه كما تقول للرجل قل لصاحبك كذا لمن بينه وبينه أدنى ملابسة وذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام ذكره الزمخشري وأصله للراغب حيث قال‏:‏ هو المشارك لآخر في الولادة من الطرفين أو أحدهما أو الرضاع ويستعار في كل مشارك لغيره في قبيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودّة أو غيرها من المناسبات ‏{‏لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم‏}‏ أي لمشاركيهم في الكفر وقوله ‏{‏يا أخت هارون‏}‏ يعني في الصلاح لا النسبة وقولهم أخا تميم وقولهم أخا عاد وسماه أخاً تنبيهاً على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه ‏(‏ووجهك‏)‏ أي والحال أن وجهك ‏(‏إليه منبسط‏)‏ أي منطلق بالسرور والانشراح قال حبيب بن ثابت‏:‏ من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه‏.‏ ونظم هذا الحديث كنظم الجمان وروض الجنان وفيه كما قال الغزالي رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه وقطب جبينه كأنه ‏[‏ص 122‏]‏ مستقذر للناس أو غضبان عليهم أو منزه عنهم ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب ولا في الخد حتى يصعر ولا في الظهر حتى ينحني ولا في الرقبة حتى تطأطأ ولا في الذيل حتى يضم إنما الورع في القلب أما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمنّ عليك بعلمه فلا أكثر الله في المسلمين مثله ولو كان الله يرضى بذلك ما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ‏{‏واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين‏}‏ ‏(‏وإياك ‏(‏إياك فعل أمر بمعنى باعد نفسك ما يكره وباعد إسبال الإزار، فهو عطف على المحذوف من إياك‏:‏ أي إياك ما يكره وإسبال الإزار‏.‏ أهـ‏)‏ وإسبال‏)‏ بالنصب ‏(‏الإزار‏)‏ أي إرخاءه إلى أسفل الكعبين ‏(‏الكعبين‏)‏ ‏(‏هما العظمان الناتئان فوق القدم من جانبها بين مفصل الساق والقدم وذلك لإبعاد الإزار عن المستقذر ولمخالفة المتكبرين وللتشبه بالصالحين‏.‏ أهـ‏)‏ أي احذر ذلك يقال أسبل الإزار أرسله ذكره الزمخشري ‏(‏فإن إسبال الإزار من المخيلة‏)‏ كعظيمة الكبر والخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تتراءى للإنسان من نفسه ذكره الراغب‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ تقول إياك والمخيلة وخايله فاخره وتخايلوا تفاخروا ‏(‏ولا يحبها الله‏)‏ أي لا يرضاها ويعذب عليها إن لم يعف وكالإزار سائر ما يلبس فيحرم على الرجل إنزال نحو إزاره عن الكعبين بقصد الخيلاء ويكره بدونه أما المرأة فتسبله قدر ما يستر قدميها ‏(‏وإن امرؤ‏)‏ أي إنسان ‏(‏شتمك‏)‏ أي سبك ‏(‏وعيرك‏)‏ بالتشديد قال فيك ما يعيبك ‏(‏بأمر‏)‏ أي بشيء ‏(‏ليس هو فيك‏)‏ أي لست متصفاً به ‏(‏فلا تعيره‏)‏ أنت ‏(‏بأمر هو فيه‏)‏ لأن التنزه عن ذلك من مكارم الأخلاق، ومن ذمّ الناس ولو بحق ذموه ولو بباطل ومن ثم قال بعضهم‏:‏

ومن دعى الناس إلى ذمه * ذموه بالحق وبالباطل

‏(‏ودعه‏)‏ أي اتركه ‏(‏يكون وباله‏)‏ أي سوء عاقبته وشؤم وزره ‏(‏عليه‏)‏ قال الزمخشري‏:‏ الوبال سوء العاقبة ‏(‏وأجره‏)‏ أي ثوابه ‏(‏لك‏)‏ قال الراغب‏:‏ الأجر ما يعود من ثواب العمل دنيوياً كان أو أخروياً والأجرة في الثواب الدنيوي ولا يقال الأجر إلا في النفع دون الضر والجزاء يقال في النافع والضار انتهى والإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة والمقاولة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة والحقيقة وأسلم للعرض والورع ذكره الكشاف ولما كان التعبير يهيج الغضب ويحمل على المقابلة بالسب عقبه بقوله ‏(‏ولا تسبنّ‏)‏ بفتح الفوقية وشد الموحدة ونون التوكيد أي لا تشتمنّ ‏(‏أحداً‏)‏ وإن كان مهيناً والشتم توصيف الشيء بما هو إزراء أو نقص فيه ذكره القاضي وفيه تحذير من الاحتقار لا سيما للمسلم المعصوم لأن الله تعالى أحسن تقويم خلقه وخلق ما في السماء والأرض لأجله ومشاركة غيره له فيه إنما هي بطريق التبع وفيه كراهة مجادلة السفهاء ومقاولتهم ومناقلتهم وأن السكوت عن السفيه من المطالب الشرعية قال في الكشاف‏:‏ ومن أذل نفسه لم يجد مشافهاً وفيه تنبيه عظيم على كظم الغيظ والحلم على أهل الجهل والترفع عمن أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي ولهذا قال البيهقي عن ذي النون‏:‏ العز الذي لا ذل فيه سكوتك عن السفيه وفيه أنشد الأصمعي‏:‏

وما شيء أحب إلى لئيم * إذا شتم الكريم من الجواب

متاركة اللئيم بلا جواب * أشد على اللئيم من السباب

ومن ثم قال الأعمش جواب الأحمق السكوت والتغافل يطفئ شراً كثيراً ورضا المتجني غاية لا تدرك والاستعطاف عون للظفر ومن غضب على من لا يقدر عليه طال حزنه وقال حكيم ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة حليم من أحمق وبر من فاجر وشريف من دنيء وفيه أنه لا ينبغي للعبد أن يحقر شيئاً من المعروف في الإحسان إلى الناس بل إلى خلق الله ولا يحتقر ما يتصدق به وإن قلّ وندب لقاء الأخ المؤمن بالبشر وطلاقة الوجه وأنه يقوم مقام فعل المعروف إذا لم يمكنه فعل المعروف معه وغير ذلك

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ وأبو داود ‏(‏عن جابر بن سليم‏)‏ ويقال سليم بن جابر قال البخاري‏:‏ والأول أصح ‏(‏الهجيمي‏)‏ من بني هجيم بن عمرو بن تميم سكن البصرة وروى عنه ابن سيرين وغيره قال ‏[‏ص 123‏]‏ قلت يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئاً ينفعنا الله به فذكره وقضية المؤلف تدل على أن الحديث لم يخرجه أحد أشهر من الطيالسي وأنه تفرد به والأمر بخلافه فقد خرجه بمخالفة في الترتيب عن جابر المذكور أئمة أجلاء مشاهير منهم أحمد وأبو داود والنسائي والبغوي والباوردي وابن حبان والطبراني وأبو نعيم والبيهقي والضياء في المختارة وغيرهم بلفظ اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط إليه ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولا تسبن أحداً وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإنه يكون لك أجره وعليه وزره واتزر إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة انتهى‏.‏ وفي بعض طرقه رأيت رجلاً والناس يصدرون عن رأيه فقلت‏:‏ من هذا قالوا‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ عليك السلام يا رسول الله فقال‏:‏ عليك السلام تحية الموتى ولكن قل السلام عليك فقلت‏:‏ السلام عليك أنت رسول الله قال‏:‏ نعم فقلت‏:‏ يا رسول الله علمني مما علمك الله فذكره قال النووي في رياضه رواه أبو داود والترمذي بالإسناد الصحيح ورمز المصنف لصحته‏.‏

117 - ‏(‏اتق الله‏)‏ أي احذره ‏(‏يا أبا الوليد‏)‏ كنية عبادة بن الصامت قال ذلك له لما بعثه على الصدقة وفيه تكنية الصاحب والأمير ووعظه ‏(‏لا تأتي‏)‏ قال الزمخشري‏:‏ لا مزيدة أو أصله لئلا تأتي فحذف اللام ‏(‏وفيه حذف تقديره ما تستحقه فتأتي‏)‏ ‏(‏يوم القيامة‏)‏ يوم الجزاء الأعظم ‏(‏ببعير‏)‏ معروف يقع على الذكر والأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما وجمعه أبعره وأباعير وبعران ‏(‏تحمله‏)‏ في رواية على رقبتك قال الزمخشري‏:‏ وهو ظرف وقع حالاً من الضمير في تأتي تقديره مستعلياً رقبتك بعيرة وقال الراغب‏:‏ الحمل معنى واحد اعتبر في أشياء كثيرة فسوى بين لفظه في فعل وفرق بين كثير منها في مصادر فقيل في الأثقال المحمولة في الظاهر على الشيء حمل وفي الأثقال المحمولة في الباطن كالولد في البطن والثمرة في الشجر تشبيهاً بحمل المرأة ويقال حملت الثقيل والرسالة والوزن حملاً ‏(‏له رغاء‏)‏ بضم الراء وبالمعجمة والمد أي تصويت والرغاء صوت الإبل تقول رغا البعير رغاء ورغوة واحدة فالغالب في الأصوات فعال كبكاء وقد يجيء على فعيل كصهيل وعلى فعلة كحمحمة ‏(‏أو بقرة لها خوار‏)‏ بخاء معجمة مضمومة وواو خفيفة أي تصويت والخوار صوت البقر قال الراغب‏:‏ مختص بالبقر وقد يستعار للبعير والبقر واحدة بقرة ويقال في جمعه باقر كحامل وبقير كحكيم ويقال للذكر ثور كجمل وناقة ورجل وامرأة انتهى ‏(‏أو شاة لها ثواج‏)‏ بمثلثة مضمومة وفتح الهمزة فألف فجيم صياح الغنم فقال عبادة‏:‏ يا رسول الله إن ذلك كذلك فقال‏:‏ أي والذي نفسي بيده إلا من رحم الله قال‏:‏ والذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبداً أي لا إلى الحكم على اثنين ولا أتأمر على أحد ‏(‏أو لا أكون عاملاً لحاكمين أو لا يكون فعلي مخالفاً لاعتقادي أهـ‏)‏

وهذا دليل على كراهة الأمارة في ذلك العصر الذي كان فيه مثل عبادة ونحوه من صالحي الأنصار وأشراف المهاجرين الكبار فإذا كان هذا حال هؤلاء الذين ارتضاهم المصطفى للولاية وخصهم بها فما الظن بالولاة بعد ذلك الطراز الأول والمتنافسين في الولايات الباذلين الأموال في تحصيل الأعمال السلطانية ‏.‏